صحيحٌ أن المغرب لا يقترح أية وساطة، ولم يصدر عنه رسمياً شيء كهذا بخصوص علاقته مع الجزائر، لكنه بالمقابل دعا غير ما مرة إلى تجاوز الماضي، وإقامة علاقات طبيعية، إضافة إلى فتح الحدود، وذلك من طرف السلطة العليا في البلاد الممثلة في الملك محمد السادس.
وفي الغالب، فإن تدابير من هذا النوع تفترض وجود طرف ثالث/ وسيط يجهز مائدة التفاوض ويقرب ما اختُلف فيه.
مناسبة هذا الحديث، هو ما قامت به بكين في الوساطة بين السعودية وإيران، واستعادة البلدين للعلاقات الطبيعية بعد عقود من القطيعة والخلاف.
إن الصين، بهذه الوساطة، تخلق خوارزميات جيوستراتيجية جديدة، وتلفت النظر إلى إمكانية تجاوز أصعب الخلافات بغض النظر عمّن سيكون الوسيط في الوقت الحالي.
طبعا، كانت هناك إرهاصات وساطة تركية وأردنية في السابق، لكنّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استبق الأمر ورفضها في إحدى حواراته، مؤكدا أن قطع العلاقات كان "بديلا عن الحرب".
وأيا كان الوسيط، وأيا كان موقف الجزائر السابق، فإن وساطة الصين الجديد تعطي نظرةً جديدة للمنطقة وللترسبات والخلافات التاريخية، فكل شيء يمكن تجاوزه من خلال وجود وسيط قوي ويدرك جيداً كيف يمسك خيوط الخلاف ويفككها.
صحيح ان هناك مراقبين يرون أن هذا الاتفاق يعتبر "نذير شؤم" لأنه يعزز مكانة الجزائر، حليفة إيران، في التحالف الدولي وقد يفك الارتباط بين موقف الملكيتين في المغرب والسعودية بخصوص إيران، وقد يتسبب في بعض الفتور أو على الأقل انخفاض دعم الخليج للموقف المغربي دوليا.
لكن هذا في الحقيقة أدعى إلى أن يتم النظر إلى الخلاف من زاوية مختلفة أيضا، فلا مستحيلَ في السياسة، ولا خلافات تدوم إلى الأبد ما دام الوسيط قادرا على خلق منطقة وسطى يخرج فيها الطرفان بنتائج رابح-رابح.
والملفت أيضا أن الخلاف بين السعودية وإثران كان أعمق مما هو بين المغرب والجزائر، على الأقل من ناحية المغرب الذي ظل مادّاً يده للجار الشرقي لعقود طويلة ولم يقبضها إلا بعد تعنت الجزائر غير المفهوم.
عموماً، إن إنهاء الخلاف السعودي الإيراني، بوساطة صينية، يعطي أملا بأن الشيء نفسه يمكن عمله بين المغرب والجزائر، فقط بعد الإجابة على الأسئلة التالية: من هو الوسيط الأنسب؟ وهل تتخلى الجزائر عن تعنتها في حالة وجوده؟ وهل تدرك الجارة الشرقية أخيراً أن نتيجة نهاية الخلاف هو في صالحها وصالح شعبها بالدرجة الأولى؟